دماء المدنيين ضريبة التنافس بين التنظيمات بالقارة السمراء
تقرير - محمد مقلد
- يبدو أن مكافحة الإرهاب فى كل من سوريا والعراق وليبيا ومصر وأفغانستان
وغيرها من الدول ، ونجاح فرق المكافحة لتلك التنظيمات المسلحة فى تقليص التواجد
الإرهابى فى معظم دول العالم ، تحول إلى كابوس مزعج ينكوى بناره أصحاب البشرة
السمراء فى قارة أفريقيا ولاسيما بشرق وغرب ووسط القارة ، فى ظل فرار العناصر
الإرهابية التى نجت من مقصلة قوات مكافحة الإرهاب ، إلى معاقلها الأساسية بالقارة السمراء ،
والانضمام للتنظيمات المسلحة التى لها تواجد بالفعل بتلك المناطق.
العناصر الإرهابية التى تمكنت من الفرار سواء ينتمون لتنظيم " داعش
" أو تنظيم " القاعدة " ساهمت بصورة كبيرة فى تقوية شوكة التنظيمات
بالقارة السمراء ، لأنها ببساطة عناصر أكثر خبرة من حيث التدريب المسلح واستخدام
المتفجرات والعبوات الناسفة بأساليب تكنولوجية حديثة ، اكتسبوها بفضل التدريب
المكثف بمعسكرى القاعدة وداعش ومن الطبيعى أن تنقل خبراتها للعناصر المنضمة إليها
يؤدى ذلك إلى تحويل تلك المناطق
لصراع دامى يتسابق من خلاله كلا التنظيمين الإرهابيين ، لتحقيق هدفين أساسيين ،
الأول سيطرة أحدهما السيطرة الكاملة لإعلان أنه صاحب الزعامة ، والثانى لإثبات التواجد
الفعلى بعد الانكسارات التى تعرض لها عناصر التنظيمين فى المناطق التى نزحوا منها.
ضعف الأنظمة السياسية والعسكرية بمعظم دول القارة السمراء ، والطبيعة
الجغرافية للدول التى تمركزت فيها العناصر والتنظيمات الإرهابية ، كان له كبير
الأثر فى أن تجد تلك الجماعات الإرهابية الأرض الخصبة التى تساعدهم على تكثيف
نشاطهم المسلح الدامى ، للوصول لأهدافهم التى اعتنقوها بأفكار قائمة على معتقدات
دينية خاطئة ، وهذا النشاط الإرهابى بطبيعة الحال يدفع ثمنه المدنيين فى أفريقيا
السمراء ، بعدما فقد المئات منهم حياتهم ثمناً لهذا الصراع الإرهابى المسلح ، وفشل
الحكومات الضعيفة بشرق وغرب القارة السمراء فى التصدى لتلك الجماعات المتشددة
نتيجة لضعفها السياسى والعسكرى وانتشار النظام القبلى بها.
محاولات لعودة " داعش" لحضن " القاعدة "
وبدا الأمر بشرق وغرب ووسط أفريقيا ، وكأننا أمام سباق تنافسى بين تنظيم " داعش " من جانب وتنظيم " القاعدة " من جانب آخر ، وإن أختلف أسلوب كل تنظيم منهما للسيطرة وتنفيذ عملياته الإرهابية ، إلا أنهم أصحاب فكر واحد قائم على التشدد الدينى بعقول مغيبة ، فلكل فريق منهم وسيلة محددة فى قضية السيطرة فداعش كما يقول الباحث الغربى " لورانس فرنكلين " همه الأول هو السيطرة المكانية فقط ، لاعتماده الأساسى على الترويج لفكرة الخلافة التى تنتشر دون التقيد بالحدود أو الموقع الجغرافى ، ومن هذا المنطلق التنظيم أكثر خطورة لأنه لا يفرق بين استهداف العسكريين أو المدنيين ، فى حين كما يؤكد لورانس ، أن تنظيم " القاعدة " يبحث عن التمدد والتوسع فى الأراضى الأفريقية ، لذلك يهتم فى المقام الأول باستهداف العسكريين ، لإيمانه بأن التخلص من العسكريين سيمنحه الفرصة للتمدد فى الأرض والتوسع فى التواجد المكانى للتنظيم.
ومع عودة الفارين من تنظيمى " داعش " و" القاعدة " من
ملاحقة قوات مكافحة الإرهاب ، إلى غرب وشرق أفريقيا السمراء ، بدأت حكومات العديد
من الدول تصاب بالارتباك لاسيما فى ظل العمليات الإرهابية والمسلحة التى بدت
تتصاعد يوماً تلو الآخر والتى عانت منها معظم الدول بتلك المناطق ، وعلى رأسها الكونغو
الديمقراطية وبوركينا فاسو والصومال والنيجر وتشاد وغيرها.
وبدأت تلك الحكومات تبحث عن سبيل للتخلص من هذا الكابوس فبعضها استنجد
بالغرب كما حدث فى النيجر التى استقبلت ما يقرب من 1500 جندى فرنسى ، لمواجهة الجماعات
الإرهابية هناك ، والبعض الآخر حاول أن يجد ضالته فى الاستعانة بشركات الأمن
الخاصة ، حيث استعان الرئيس النيجيرى خلال عام 2015 " جودلاك جوناثان "
بثلاث شركات أمن خاصة لمواجهة جماعة " بوكاحرام" الإرهابية ، فيما اعتمدت
الحكومة المالية بمجموعة " فاغنر " لمواجهة تنظيم " نصرة الإسلام
والمسلمين " التابع لتنظيم القاعدة والذى يعتبر من أخطر التنظيمات المتواجدة
بالمنطقة ، ولكن تلك الشركات لم تحقق المرجو منها ، بل تسبب وجودها فى تكثيف تلك
الجماعات من عملياتها الإرهابية ، حتى أعلنت جماعة " نصرة الإسلام والمسلمين
" عن مقتل عدد كبير من قوات " فاغنر " وإسقاط طائرة عسكرية تابعة
للمجموعة بمنطقة " ماسينا " وسط مالى، والقيام بعشرات العمليات التى
استهدفت جنود الجيش المالى .
التنافس الدامى بين " داعش " والقاعدة " تركز فى المقام
الأول على محاولة سيطرة كل فريق منهم على الأوضاع فى المناطق التى ينشطوا بها ، مع
الالتزام بعدم تعرض كل تنظيم للآخر ، لأنهم على علم بأن مواجهتهم لبعضهم البعض
ستضعف من قوتهم وستكون وسيلة للقضاء عليهم لاسيما وأن فكرهم واحد وهدفهم واحد ، بل وصلت الأمور إلى تناقل بعض الأخبار الشبه
مؤكدة والتى تدعى ، أن هناك مساعى كبيرة من قيادات بالتنظيمين بغرب وشرق أفريقيا ،
تحاول أن تجد طريق ليتحدوا فى تنظيم واحد ، اعتماداً على أن الفكر والهدف واحد وإن
اختلفت بعض الأساليب المستخدمة بين الفريقين فى سبيل الوصول لأهدافهم ، وهو أمر
رغم أنه مستبعد ، ولكنه حل مطروح من الممكن أن يحدث مستقبلاً للتمسك بنظرية الوجود
بصرف النظر عن اسم التنظيم وقائده
وداعش فى النهاية خرجت من رحم تنظيم " القاعدة " على اعتبار أن
قائدها الفعلى أبو بكر البغدادى كان يعمل تحت وطأة تنظيم القاعدة ، وفى بداية
حياته عمل بالجهاز الدعائي للتنظيم بسوريا ، فمن الوارد أن يعود " داعش
" لحضن القاعدة من جديد، فى تصرف إذا وقع بالفعل سيكون كارثة حقيقة ، لأن
الإرهاب وقتها ستقوى شوكته ، وطريق القضاء عليه سيحتاج إلى جهد كبير وتضحيات أكبر.
أهم التنظيمات المسلحة بغرب وشرق أفريقيا والعمليات الإرهابية
عقب مقتل زعيم تنظيم " القاعدة " أيمن الظواهرى ، ، أرتبك تنظيم
القاعدة بعض الشئ ، حتى نجح قياداته من مجلس شورى التنظيم والذين كانوا أقرب
القيادات للظواهرى وفى أيديهم كل خيوط التنظيم فى الخروج من تلك الأزمة ، وبدأوا
فى منح تعليمات للجماعات التابعة للتنظيم فى المناطق المختلفة ، وقدموا لهم كل
الدعم والتوجيه ، وعلى رأسها جماعة " نصرة الإسلام والمسلمين " غرب
أفريقيا والتى تعتبر أمل التنظيم فى إعادة أحياء قوته من جديد ، والتى شنت العديد
من الهجمات الإرهابية التى استهدفت الجيش المالى .
وإذا كانت جبهة " نصرة الإسلام والمسلمين " من أقوى الجماعات
الإرهابية ممثلة لتنظيم القاعدة ولها تواجد مؤثر بأفريقيا السمراء ولاسيما بغرب
وشرق القارة ، فإن الحال لا يختلف لدى تنظيم " داعش " والذى ينتمى له
" القوات الديمقراطية المتحالفة " وهى جماعة شرسة فى عملياتها الإرهابية
، وتقوم بعمليات دامية تستهدف المدنيين كان آخرها ، استهداف قرية لوبوى شرق
الكونغو الديمقراطية ، مما أسفر عنه مصرع 9 أفراد وإصابة آخرين ، والأخطر من ذلك
أن التقارير الصادرة فى هذا الشأن تؤكد على أن ضحايا أعمال العنف فى الكونغو خلال
عام 2023 وصل إلى أكثر من 2000 مدنى من بينهم نساء وأطفال ، فى حين أن مكتب الشؤون
الإنسانية " أوتشا " التابع للأمم المتحدة ، أكد فى تقارير رسمى أنه
خلال 3 أيام فقط تم قتل 41 مواطن مدنى شرق الكونغو على يد عناصر جماعة "
القوات الديمقراطية المتحالفة "
وتنوعت الأعمال الإرهابية بشرق وغرب القارة السمراء ، ما بين استهداف
عسكريين ومدنيين ، من أشهرها مقتل 134 بقرية الكرمة بدولة بوركينا فاسو من بينهم
أطفال ونساء ، وفى مارس الماضى تعرض 11 جندى بوركينى للقتل على يد الجماعات
المتشددة ، وشهدت بعض العمليات بالمنطقة استخدام العبوات الناسفة ، حيث أعلنت
الحكومة المالية فى يناير الماضى مقتل 4 جنود من الجيش المالى نتيجة لاستهدافهم
بعبوة ناسفة بوسط مالى .